احمد العيسى
بينما يعيش المواطن البسيط في أزمات اقتصادية متفاقمة، تتوسع مشاريع المجمعات السكنية لتصبح جزءاً من مشهد عمراني جديد في المدن. هذه المشاريع، التي يتم الترويج لها كفرص استثمارية واعدة، تثير تساؤلات حادة حول جدواها الحقيقية: هل هي حل لأزمة السكن، أم أنها استثمار في “النكبات” والتربح من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟
مشاريع تستهدف جيوب المستثمرين لا حاجات السكان
تشير العديد من الدراسات والوقائع إلى أن أغلب هذه المجمعات السكنية لا تستهدف الشرائح السكانية التي تعاني من أزمات السكن، بل تُصمم لتلبية احتياجات المستثمرين والدلالين الذين يعملون وفق نظام “التطلوعة” (العمولات الضخمة)، مستفيدين من الفجوة بين العرض والطلب في السوق العقاري.
المجمعات تُسوق بوحدات سكنية فاخرة بأسعار تفوق قدرة المواطن العادي، ما يجعلها حكراً على النخبة الاقتصادية والمستثمرين. في المقابل، تظل الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل تكافح للحصول على مسكن بأسعار معقولة.
غسل الأموال وتجارة رؤوس الأموال
لا يمكن تجاهل الجانب المالي المشبوه في بعض المشاريع العقارية، حيث تُستخدم المجمعات السكنية كوسيلة لغسل الأموال التي يصعب إخراجها خارج البلاد. تُضخ هذه الأموال في قطاع العقارات، مما يؤدي إلى تضخم الأسعار وزيادة الفجوة بين الفئات الاجتماعية.
كما يُستخدم هذا القطاع أحياناً لتقديم “هدايا” مقننة إلى المسؤولين الجدد، ما يفتح باباً للفساد والتربح غير المشروع، ويجعل العقارات أداة للتلاعب السياسي والاقتصادي.
من أزمة السكن إلى أزمة التفاوت الطبقي
بدلاً من المساهمة في حل أزمة السكن، تعزز هذه المشاريع التفاوت الطبقي في المدن. المجمعات السكنية المغلقة (Gated Communities) تعزل الطبقة الثرية عن باقي السكان، ما يؤدي إلى انقسامات اجتماعية واضحة وتدهور مفهوم التعايش المشترك.
البدائل الممكنة
لحل هذه الإشكاليات وضمان استفادة المواطنين من المشاريع السكنية، يجب اتخاذ إجراءات حازمة:
1. إعادة توجيه الاستثمار: تشجيع الاستثمار في الإسكان الميسر الذي يستهدف الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل.
2. رقابة صارمة: فرض رقابة على مشاريع المجمعات السكنية لضمان خلوها من أنشطة غسل الأموال أو الفساد المالي.
3. التنمية المستدامة: التركيز على مشاريع إسكانية تتماشى مع احتياجات السكان الفعلية وتراعي التوزيع العادل للبنية التحتية والخدمات.
الخلاصة
المجمعات السكنية، كما تُنفذ حالياً، تبدو أشبه باستثمار في أزمات المواطنين وتكريساً للتفاوت الطبقي، أكثر من كونها حلاً لأزمة السكن. وبينما تحقق أرباحاً للمستثمرين والدلالين، تظل الفئات الأكثر حاجة للسكن تعاني من الإقصاء. إن مواجهة هذه التحديات تتطلب إرادة سياسية قوية، وشفافية مالية، وتخطيطاً عمرانياً يعيد ترتيب الأولويات بما يخدم مصلحة الجميع، وليس فئة قليلة على حساب الأغلبية.
الدكتور أحمد العيسى
رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين فرع النجف الاشرف