الفساد المالي والإداري: عندما يتجذر منذ الطفولة

د. احمد العيسى

الفساد المالي والإداري ليس حالة طارئة تنشأ فجأة مع تقلد المناصب، بل هو انعكاس لنمط سلوكي متأصل يتشكل منذ الصغر ويظهر بوضوح عندما يصبح صاحبه في موقع المسؤولية. تتجلى هذه الظاهرة عندما يكون الشخص الذي نشأ على استغلال الفرص الصغيرة يتدرج ليصبح صاحب قرار، فيمارس نفس الأنماط بطرق أكبر وأكثر تعقيدًا.

الطفولة: بداية تشكل الفساد

لنتخيل طفلًا يتفنن في بيع “حب شمش” في استكانة صغيرة، ويضع ورقة في أسفلها ليخدع الزبائن بكمية أكبر مما يحصلون عليه فعلًا. هذا السلوك، الذي قد يبدو بسيطًا أو حتى ذكيًا للبعض، هو بذرة الفساد التي تكبر معه. يكبر هذا الطفل على الاعتقاد بأن الغش والتحايل هما الطريق لتحقيق المكاسب، وبدلًا من أن يتعلم النزاهة والشفافية، يتحول إلى شخص يبرر أي وسيلة للوصول إلى غايته.

المنصب: الفرصة الكبرى لتطبيق السلوك القديم

عندما يتسنم مثل هذا الشخص منصبًا مهمًا في أي دولة، سواء كانت موزمبيق أو غيرها، فإنه يعيد إنتاج تلك السلوكيات القديمة، ولكن على نطاق أوسع. بدلاً من استكانة صغيرة، تصبح هناك مشاريع وهمية، عقود مزورة، ورشاوى تُغلف بذرائع تبدو قانونية. وبدلًا من حب شمش، يصبح المال العام هو الضحية.

الأثر على الدولة والمجتمع

يتسبب هذا النمط من السلوك في تدمير المؤسسات، وإضعاف الثقة بين المواطن والحكومة. الدول التي تنتشر فيها مثل هذه الظواهر غالبًا ما تتحول إلى “دول فاشلة”، حيث تنعدم فيها العدالة، وينتشر فيها الفقر والجهل، لأن الأموال التي يفترض أن تنفق على التنمية يتم نهبها بطرق ملتوية.

الخاتمة: الحل يبدأ بالتربية

إن مكافحة الفساد لا تبدأ فقط بوضع القوانين والعقوبات، بل من خلال غرس قيم النزاهة والأمانة منذ الصغر. يجب أن يتم تعليم الأطفال أن النجاح الحقيقي لا يأتي بالغش، وأن الأمانة هي أساس بناء المجتمعات القوية. وعندما نتأكد من أن النشء ينشأ على هذه القيم، يمكننا أن نضمن أن المستقبل سيكون خاليًا من “استكانات الغش” التي تتحول إلى “مشاريع فساد”.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *